حينما يكون هناك منهج و إستراتيجية يسير عليها الإنسان و يرسم من
خلالها مستقبله ، حينما يكون هو سيد قراره و المتحكم في أموره باعتبار أنه
الأقرب لفهم ذاته و ما يفكر به ، فإنه عادةً ستكون النتائج موفقة و تقوده
إلى الطريق الصحيح ، و في عالم الفن و الأغنية تحديداً حينما يكون الفنان
هو من يخطط لنفسه أو يستعين بأصحابه ممن يملك الحكمة و الصواب ، فإنه عادة
سيكون في المقدمة و سينافس دوماً على المراكز الأولى ، ولو قربنا الصورة
أكثر و أخذنا أنموذجاً تنطبق عليه هذه الصفات ، و كان أسم النجم راشد
الماجد هو الأقرب / الأولى / الأهم من بين زملائه الفنانين ، و الأكثر
ذكاء فيما يفكر به و يفعله ، فيما يمكن أن يلوي به الأعناق إليه لتراقبه
ماذا يفعل ؟ و إلى أين يريد أن يصل ؟ .
في فترة سابقة و خلال التسعينيات الميلادية كان الماجد رمزاً للغياب و
التخفي ، كان الوحيد من بين أقرانه الذي من الصعب أن تصل إليه و في أضيق
الحدود ، و هذا الأمر جعله يجني من وراءه الانتقاد و عدم الرضا سواء من
الإعلاميين أو الجمهور ، و في الوقت نفسه كان على النقيض باقي زملائه
الفنانين الذين كانت أبوابهم مشرعة و من السهل الوصول إليهم ، و رغم
النجومية و إغراءات الأضواء التي يتسابق عليها معظم أهل الفن حينها كان
النجم راشد يرسم خطوات النجاح و يستشرف المستقبل و الحلم الذي يراوده ،
منهمكاً بفنه و تطوير ذاته ، فأختار الغياب و لجأ إلى وحدته لأن هناك ما
هو أكبر و أكثر إغراءاً للوصول إليه ، فكلها بعض سنين ستمضي و ستتغير جميع
الأمور –كما هي الآن- ، و سيكون قد حقق الكثير من أحلامه و بدأ المستقبل
أكثر وضوحاً ، و سيتفرغ حينها للحديث عن أحلامه و كيف حققها ، عن نجاحاته
كيف سعى إليها و كيف وصلت إليه ، سيطوع الإعلام لتعبيد طريق النجاح
بالطريقة التي تلائمه و يرى أنها الأنسب –رغم تحفظ الكثير- .
لنجم راشد الماجد كان بمثابة القدوة لزملائه – وأن لم يعترفوا- فأصبحوا
يراقبون خطواته من بعيد و ما النهج الذي يسير عليه ، كان بمثابة القائد
للركب و هم من خلفه يسيرون ، ولو عممنا الأمر على الساحة الفنية الخليجية
فإنه سيصبح (ترمومترها) و المتحكم بتوجهها ، و تتضح هذه الجزئية بشكل كبير
في تعاطيهم مع الإعلام ، حيث انقلب حال زملائه في الأعوام الماضية من
الظهور في العلن إلى الاختفاء فجأة ، و كان الابتعاد عن الإعلام و غلق
جميع الدروب التي توصل إليهم إلا في حدود ضيقة سمة واضحة على الأغلبية ،
بل حتى المطربين الشباب الذين أتوا من بعيدهم ساروا على نفس النهج فأغلقوا
من دونهم الأبواب ، دون أي أسباب أو توضيح ، دون أن يبرروا هذا التوجه و
أهدافه لأن المسألة أصبحت (تقليد) في مقامها الأول و ليست سياسة أو منهجية
. أما الآن و في وقتنا الراهن فتغير الحال بالنسبة للماجد و أصبح أكثرهم
حضوراً و إشراق ، أصبح حديث الإعلام و أخباره يتناقلها الكل و لجمهوره
الحق بالتفاخر بفنانهم ، أما عداه من الفنانين فأصبح في عزلته (كهفه/برجه)
لا نعلم عنه شي ، سوى ألبوم يتيم يقدمه بعد طول إنتظار ليفرح به الجمهور و
من ثم يعود لسباته ، فالقائد الآن غيّر وجهته و أصبح عاشقاً للإعلام و
أضواء شهرته أما هم فأصبحوا حيارى مما يفعل و مما يفكر به ، أما هم فعليهم
أن يبادروا بإكمال موضة التقليد و العودة مجدداً للإعلام كما فعل ، أو أن
يبقوا متحسرين على حالهم يعضون أصابع الندم و يسخرون من أفكارهم السطحية
التي لم تخدمهم و لم تجد من يساعدها إلا بعض أشخاص عاشقين للعزلة و الخراب
.
[center]